إعسمة قرية تحتضنها الجبال
قرية إعسمة التابعة لإمارة رأس الخيمة، لديها
حضارة ضاربة في القدم، فقد ذكر الدكتور عبدالله الطابور في كتابه جلفار عبر التاريخ
ان تاريخ إعسمة الاثري يعود الى الألف الثالث قبل الميلاد· و إعسمة من القرى
الجبلية التي عرفها علماء الآثار عن طريق المسح الأثري الذي نشرته بياتريس دي كاردي
عام ،1985 وأصدر بعد ذلك خبير الآثار الألماني د· بركهارد فوجت كتاباً اشتمل على
جميع التقارير التي توصلت إليها بعثات الآثار، إضافة إلى استنتاجاته التي أجراها
على منطقة إعسمة · ويقسم د· بركهارد إعسمة القديمة إلى عدد من المواقع للسكن وأخرى
للدفن، ترجع إلى عصور مختلفة في فترة ما قبل الاسلام، وبالتحديد خلال القرنين
الثالث والثاني الميلاديين وحتى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد كشفت التنقيبات
أساسات عن مبنى حجري مستطيل عثر في داخله على عظام حيوانات، وأدوات حجرية للمجارش
وكسر فخارية متعددة، وكانت الأواني الفخارية من النوع الذي يطلق عليه أواني النار
المنزلية، ويعود تاريخها الى الألف الثالث قبل الميلاد·
ويرى الدكتور الطابور أن
سكان إعسمة كانوا على علاقة تجارية مع وادي السند ومناطق أخرى، على الرغم من وقوعها
في الداخل وصغر مجتمعها· وتلك الآثار تدل على حضارة قامت في ذلك المكان وارتبطت
بروابط ثقافية واقتصادية بعد دفن الحضارات المجاورة، وقد تكون مركزاً من مراكز
النشاط التجاري لإحدى الحضارات القديمة·
ومع تلك الآثار وحكايات الحضارة القديمة
نجد أن إعسمة شكلت قرية جبلية صغيرة لها خصوصيتها المرتبطة بالأرض وزراعتها
ومراعيها، وهي قرية خصبة تمنح سكانها الخير والبركة·
تاريخها يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد
"إعسمة" قرية
تحتضنها الجبال
تحقيق: دلال جويد
حين سمعنا باسم منطقة “إعسمة”
لم نكن نعرف عنها شيئاً، فتلك القرية الصغيرة بقيت بعيدة عن الأنظار محتفظة بخصوصية
ماضيها الجميل، وترابط سكانها وارتباطهم بالأرض وبساتينها الغناء. بدأت رحلتنا من
الشارقة باتجاه مسافي متواصلين مع دليلنا عبر الهاتف المتحرك على عكس الرحلات
الطويلة التي كان سكان تلك المناطق يقومون بها نحو أسواق دبي والشارقة مستخدمين
معرفتهم بالأرض والنجوم والاتجاهات ليستدلّوا على طريقهم. امتدت على جانبي الطريق
كثبان الذيد برمالها الصفراء ونباتاتها الصحراوية التي أنعشها فصل الشتاء الماضي،
فبدت بأحسن حال. وتجاوزنا الذيد نحو جبال مسافي وسوقها حتى وصلنا إلى تقاطع طريقي
الفجيرة ودبا الفجيرة، فعرفنا أن وجهتنا باتجاه دبا الفجيرة لنتجاوز قرية مسافي
خلال طريق جبلي متعرج، وقد بدأت الشمس ترفع سياطها معلنة أنها تمسك بتلابيب فصل
الصيف لترفع أسهمه من حر الظهيرة.
كانت مناظر الطبيعة والجبال تنسينا حرارة
الجو، فبعد مسافة قليلة من الخروج من مسافي وعند الوصول قرب برج الاتصالات الذي
يزود المناطق المحيطة بالخدمات الهاتفية، انعطفنا إلى اليسار، حيث طريق قرية وادي
السدر. وقبل أن نتوغل في الطريق كان دليلنا ينتظرنا لندخل قرية “إعسمة” التي يحكي
اخضرارها حكاية طويلة من عشق الأرض وتاريخها الخصب، فعلى جانبي الطريق كانت أشجار
عملاقة يعود تاريخها إلى سنوات طويلة، إذ ربما غرسها أحد الأجداد وجاء الغمام لها
ليشتد عودها وتدوم حتى أيامنا.
بيوت القرية
كانت بيوت القرية
مختلفة كما عهدناه في بيوت القرى الشعبية، فقد اختار كل ساكن أن يبني بيته قرب
مزرعته أو بستانه القديم. ومن بين تلك البيوت كان بيت دليلنا راشد عبدالله الشهياري
الذي اجتمع فيه شواب القرية ليحكوا قصة المنطقة في الزمان الماضي.
في مجلس
راشد كان الاستقبال طيباً وكريماً كما هو عهد أبناء تلك القرى الذين يجدون قِرى
الضيف واجباً لا يمكن التخلي عنه.
بدأت الضيافة بتقديم القهوة العربية ولم
يبدأ الحديث إلا بعد أن قدمت “سفرة” الطعام التي امتلأت بأطايب فاكهة الصيف التي
قُدمت بطريقة منظمة تدل على ذوق صاحبة البيت. ومن نخلة الدار قدم الرطب الذي ذكروا
أن اسمه “عين بقر” وقد سُمي بهذا الاسم لكبر حجمه، وما هي إلا دقائق حتى قدمت وجبة
الطعام الرئيسية من “الثريد”، فضلاً عن الأكلات الشعبية الأخرى من “البلاليط”
و”اللقيمات” وأنواع الأطعمة الأخرى.
بدأ الحديث عن القرية التي تقع ضمن قرى
إمارة رأس الخيمة الجنوبية، وتقع على بعد خمسة عشر كيلومتراً شمال
مسافي.
يقول الوالد سالم محمد سالم الشهياري الذي كان في الماضي أمير
المنطقة: “شوابنا الأولون سمّوها “إعسمة” لأنها تقع على يسار الطريق، وقد كان الدرب
الجبلي القديم يدور ليصل إليها”.
الزراعة
القرية تعتمد على
الزراعة بشكل كبير، فمعظم سكانها يمتلكون مزارع قديمة كانت في الماضي ملكاً لأهلهم.
ويقول محمد عبيد خميس الشهياري: “كان أهلنا يزرعون الهمبة واللومي وكنا نزرع الحب
والدخن والنخيل والفندال ونحفر الطوي ونسقي بساتيننا ب “اليازرة” وهي إحدى طرق الري
القديمة التي تُستخدم فيها الحيوانات، خاصة الثيران، حيث يُقام هيكل مكوّن من جذوع
أشجار النخيل ليكون مساراً للثور، ويعمل على إسناد مجموعة من البكرات يُلقى فوقها
حبل بطرفه دلو من الجلد، حيث يسحب الثور الحبل من الطرف الآخر عند مشيه في المسار
ساحباً معه الدلو المملوء بالماء ليصبّ في خزان صغير يوزع الماء على قنوات
البستان”.
ويضيف محمد عبيد: “كانت لدينا مزروعات شتوية وصيفية، ففي الصيف
نزرع النخل والخضار الصيفية، بينما في الشتاء تكثر المحاصيل، لأن الزراعة تكون أفضل
لوفرة المياه. وقد كنا في الماضي نحفر الطوي بأنفسنا حيث يكون الماء قريبا من سطح
الأرض ولا نحتاج إلى الحفر العميق”.
ويتحدث الوالد عبدالله محمد الشهياري
وهو رجل في التسعين من عمره: “لدي خمس مزارع ورثتها عن أهلي الذين كانوا يعملون في
الزراعة، ففي الماضي كان الناس يزرعون بساتينهم بأنفسهم ولم يستخدموا العمال. ولكن
محاصيلهم كانت بسيطة تقتصر على النخل والحنطة وبعض الخضار ولم نكن نعرف الطماطم ولا
زراعتها”.
ويقول راشد عبيد راشد: “كانت الحياة الماضية أكثر بساطة، وكانت
البيوت تُبنى من الدعون. وفي الشتاء كانت تُقام خيمة من سعف النخيل أو العسبج،
وكانت أول البيوت التي بُنيت من الطابوق هي عشرة بيوت بناها المغفور له الشيخ راشد
بن سعيد آل مكتوم. وبعدها بنينا بيوتنا بأيدينا على أراضينا. ولم تكن لدينا مساكن
شعبية هنا”.
الزواج
وعن الحياة الاجتماعية والزواج، يقول
راشد عبيد: “كانت الحياة الاجتماعية أكثر ترابطاً، والناس يسألون عن بعضهم، والزواج
ميسوراً وسهلاً. ففي العرس نقدم التمر والعيش ونذبح الغنم. وكان مهر زوجتي 35
درهماً، فلم يعرف الناس غلاء المهور إلا في هذه الأيام”.
ويعقب سالم محمد
الشهياري بقوله: إن الزمان الماضي كان أحسن من اليوم، ففي الماضي إذا كنت أمشي في
الطريق وشاهدت اثنين يسيرون معاً رافقتهم وسرت معهما. ولكن اليوم تغيّرت الحال
والجميع مشغولون عن بعضهم بعضاً. وفي الماضي كنا نحرص على الإنجاب وكثرة الأبناء،
فقد كان لديّ خمسة عشر ولداً وبنتاً، منهم من تزوّج ومنهم من يعيش معي في البيت
و”العيال” مال الله يعطيه ويأخذه.
ويتحدث محمد عبيد خميس عن الرحلات نحو دبي
والشارقة، فيقول: “كنّا نسير إلى أسواق دبي والشارقة حيث تستغرق الرحلة سبعة أيام
ذهاباً وإياباً، بينما تستغرق الرحلة إلى أسواق رأس الخيمة أربعة أيام، فنبيع
الهمبة واللومي والرطب ونشتري العيش والطحين والقهوة والكنادير. وكان لا بد للرجل
من أن يحمل سلاحاً أثناء رحلته، مثل الصمعة والميزر، التي تطلق طلقة واحدة، أو
الفلسي التي تطلق خمس طلقات. وكان الرجل يحمل لزوجته من دبي الثياب والهدايا التي
تفرح بها”.
جني العسل
عن جمع العسل يقول محمد عبيد: “في
البداية كان العسل كثيراً، لكن شحّ الأمطار قلل من إنتاجه، كذلك نحن كبرنا ولم نعد
نستطيع صعود الجبال للبحث عنه. وقليل من شباب اليوم من يبحثون عن العسل، وغالباً ما
يتعلّمون المهنة من أهاليهم”.
ويسعى سكان “إعسمة” إلى تربية أبنائهم وفق
الأسس السليمة، فعمار راشد عبدالله يبلغ من العمر ثماني سنوات ونصف السنة، وهو في
الصف الرابع الابتدائي يتعلم الحاسوب في الصباح ويذهب في المساء إلى المسجد ليتعلم
حفظ القرآن. ويحذو حذوه معظم أطفال المنطقة حيث يقضون وقت فراغهم بتعلم القرآن أو
بممارسة الألعاب الشعبية المعروفة.
وقرية “إعسمة” لديها حضارة ضاربة في
القدم، فقد ذكر الدكتور عبدالله الطابور في كتابه “جلفار عبر التاريخ” ان تاريخ
“إعسمة” الأثري يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. و”إعسمة” من القرى الجبلية التي
عرفها علماء الآثار عن طريق المسح الأثري الذي نشرته بياتريس دي كاردي عام ،1985
وأصدر بعد ذلك خبير الآثار الألماني د. بركهارد فوجت كتاباً اشتمل على جميع
التقارير التي توصلت إليها بعثات الآثار، إضافة إلى استنتاجاته التي أجراها على
منطقة “إعسمة”. ويقسم د. بركهارد “إعسمة” القديمة إلى عدد من المواقع للسكن وأخرى
للدفن، ترجع إلى عصور مختلفة في فترة ما قبل الإسلام، وبالتحديد خلال القرنين
الثالث والثاني الميلاديين وحتى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد كشفت التنقيبات
أساسات عن مبنى حجري مستطيل عُثر في داخله على عظام حيوانات، وأدوات حجرية للمجارش
وكسر فخارية متعددة، وكانت الأواني الفخارية من النوع الذي يُطلق عليه “أواني
النار” المنزلية، ويعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
ويرى الدكتور
الطابور أن “سكان “إعسمة” كانوا على علاقة تجارية مع وادي السند ومناطق أخرى، على
الرغم من وقوعها في الداخل وصغر مجتمعها. وتلك الآثار تدل على حضارة قامت في ذلك
المكان وارتبطت بروابط ثقافية واقتصادية بعد دفن الحضارات المجاورة، وقد تكون
مركزاً من مراكز النشاط التجاري لإحدى الحضارات القديمة”.
ومع تلك الآثار
وحكايات الحضارة القديمة نجد أن “إعسمة” شكلت قرية جبلية صغيرة لها خصوصيتها
المرتبطة بالأرض وزراعتها ومراعيها، وهي قرية خصبة تمنح سكانها الخير
والبركة.
ارتفعت الشمس في السماء ومعها ارتفعت درجة الحرارة ونحن نقطع طريق
العودة باتجاه الذيد، حيث شاهدت للمرة الأولى في حياتي إعصاراً دائرياً صغيراً يمر
أمامنا بين الكثبان الرملية. وقد كنت أفتح عيني على اتساعهما لأدرك أني لا أشاهد
فيلماً سينمائياً. وأعرف أن ذلك الثراء الجغرافي للمنطقة يعرفنا إلى أشياء كثيرة
مدهشة.
قرية إعسمة التابعة لإمارة رأس الخيمة، لديها
حضارة ضاربة في القدم، فقد ذكر الدكتور عبدالله الطابور في كتابه جلفار عبر التاريخ
ان تاريخ إعسمة الاثري يعود الى الألف الثالث قبل الميلاد· و إعسمة من القرى
الجبلية التي عرفها علماء الآثار عن طريق المسح الأثري الذي نشرته بياتريس دي كاردي
عام ،1985 وأصدر بعد ذلك خبير الآثار الألماني د· بركهارد فوجت كتاباً اشتمل على
جميع التقارير التي توصلت إليها بعثات الآثار، إضافة إلى استنتاجاته التي أجراها
على منطقة إعسمة · ويقسم د· بركهارد إعسمة القديمة إلى عدد من المواقع للسكن وأخرى
للدفن، ترجع إلى عصور مختلفة في فترة ما قبل الاسلام، وبالتحديد خلال القرنين
الثالث والثاني الميلاديين وحتى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد كشفت التنقيبات
أساسات عن مبنى حجري مستطيل عثر في داخله على عظام حيوانات، وأدوات حجرية للمجارش
وكسر فخارية متعددة، وكانت الأواني الفخارية من النوع الذي يطلق عليه أواني النار
المنزلية، ويعود تاريخها الى الألف الثالث قبل الميلاد·
ويرى الدكتور الطابور أن
سكان إعسمة كانوا على علاقة تجارية مع وادي السند ومناطق أخرى، على الرغم من وقوعها
في الداخل وصغر مجتمعها· وتلك الآثار تدل على حضارة قامت في ذلك المكان وارتبطت
بروابط ثقافية واقتصادية بعد دفن الحضارات المجاورة، وقد تكون مركزاً من مراكز
النشاط التجاري لإحدى الحضارات القديمة·
ومع تلك الآثار وحكايات الحضارة القديمة
نجد أن إعسمة شكلت قرية جبلية صغيرة لها خصوصيتها المرتبطة بالأرض وزراعتها
ومراعيها، وهي قرية خصبة تمنح سكانها الخير والبركة·
تاريخها يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد
"إعسمة" قرية
تحتضنها الجبال
تحقيق: دلال جويد
حين سمعنا باسم منطقة “إعسمة”
لم نكن نعرف عنها شيئاً، فتلك القرية الصغيرة بقيت بعيدة عن الأنظار محتفظة بخصوصية
ماضيها الجميل، وترابط سكانها وارتباطهم بالأرض وبساتينها الغناء. بدأت رحلتنا من
الشارقة باتجاه مسافي متواصلين مع دليلنا عبر الهاتف المتحرك على عكس الرحلات
الطويلة التي كان سكان تلك المناطق يقومون بها نحو أسواق دبي والشارقة مستخدمين
معرفتهم بالأرض والنجوم والاتجاهات ليستدلّوا على طريقهم. امتدت على جانبي الطريق
كثبان الذيد برمالها الصفراء ونباتاتها الصحراوية التي أنعشها فصل الشتاء الماضي،
فبدت بأحسن حال. وتجاوزنا الذيد نحو جبال مسافي وسوقها حتى وصلنا إلى تقاطع طريقي
الفجيرة ودبا الفجيرة، فعرفنا أن وجهتنا باتجاه دبا الفجيرة لنتجاوز قرية مسافي
خلال طريق جبلي متعرج، وقد بدأت الشمس ترفع سياطها معلنة أنها تمسك بتلابيب فصل
الصيف لترفع أسهمه من حر الظهيرة.
كانت مناظر الطبيعة والجبال تنسينا حرارة
الجو، فبعد مسافة قليلة من الخروج من مسافي وعند الوصول قرب برج الاتصالات الذي
يزود المناطق المحيطة بالخدمات الهاتفية، انعطفنا إلى اليسار، حيث طريق قرية وادي
السدر. وقبل أن نتوغل في الطريق كان دليلنا ينتظرنا لندخل قرية “إعسمة” التي يحكي
اخضرارها حكاية طويلة من عشق الأرض وتاريخها الخصب، فعلى جانبي الطريق كانت أشجار
عملاقة يعود تاريخها إلى سنوات طويلة، إذ ربما غرسها أحد الأجداد وجاء الغمام لها
ليشتد عودها وتدوم حتى أيامنا.
بيوت القرية
كانت بيوت القرية
مختلفة كما عهدناه في بيوت القرى الشعبية، فقد اختار كل ساكن أن يبني بيته قرب
مزرعته أو بستانه القديم. ومن بين تلك البيوت كان بيت دليلنا راشد عبدالله الشهياري
الذي اجتمع فيه شواب القرية ليحكوا قصة المنطقة في الزمان الماضي.
في مجلس
راشد كان الاستقبال طيباً وكريماً كما هو عهد أبناء تلك القرى الذين يجدون قِرى
الضيف واجباً لا يمكن التخلي عنه.
بدأت الضيافة بتقديم القهوة العربية ولم
يبدأ الحديث إلا بعد أن قدمت “سفرة” الطعام التي امتلأت بأطايب فاكهة الصيف التي
قُدمت بطريقة منظمة تدل على ذوق صاحبة البيت. ومن نخلة الدار قدم الرطب الذي ذكروا
أن اسمه “عين بقر” وقد سُمي بهذا الاسم لكبر حجمه، وما هي إلا دقائق حتى قدمت وجبة
الطعام الرئيسية من “الثريد”، فضلاً عن الأكلات الشعبية الأخرى من “البلاليط”
و”اللقيمات” وأنواع الأطعمة الأخرى.
بدأ الحديث عن القرية التي تقع ضمن قرى
إمارة رأس الخيمة الجنوبية، وتقع على بعد خمسة عشر كيلومتراً شمال
مسافي.
يقول الوالد سالم محمد سالم الشهياري الذي كان في الماضي أمير
المنطقة: “شوابنا الأولون سمّوها “إعسمة” لأنها تقع على يسار الطريق، وقد كان الدرب
الجبلي القديم يدور ليصل إليها”.
الزراعة
القرية تعتمد على
الزراعة بشكل كبير، فمعظم سكانها يمتلكون مزارع قديمة كانت في الماضي ملكاً لأهلهم.
ويقول محمد عبيد خميس الشهياري: “كان أهلنا يزرعون الهمبة واللومي وكنا نزرع الحب
والدخن والنخيل والفندال ونحفر الطوي ونسقي بساتيننا ب “اليازرة” وهي إحدى طرق الري
القديمة التي تُستخدم فيها الحيوانات، خاصة الثيران، حيث يُقام هيكل مكوّن من جذوع
أشجار النخيل ليكون مساراً للثور، ويعمل على إسناد مجموعة من البكرات يُلقى فوقها
حبل بطرفه دلو من الجلد، حيث يسحب الثور الحبل من الطرف الآخر عند مشيه في المسار
ساحباً معه الدلو المملوء بالماء ليصبّ في خزان صغير يوزع الماء على قنوات
البستان”.
ويضيف محمد عبيد: “كانت لدينا مزروعات شتوية وصيفية، ففي الصيف
نزرع النخل والخضار الصيفية، بينما في الشتاء تكثر المحاصيل، لأن الزراعة تكون أفضل
لوفرة المياه. وقد كنا في الماضي نحفر الطوي بأنفسنا حيث يكون الماء قريبا من سطح
الأرض ولا نحتاج إلى الحفر العميق”.
ويتحدث الوالد عبدالله محمد الشهياري
وهو رجل في التسعين من عمره: “لدي خمس مزارع ورثتها عن أهلي الذين كانوا يعملون في
الزراعة، ففي الماضي كان الناس يزرعون بساتينهم بأنفسهم ولم يستخدموا العمال. ولكن
محاصيلهم كانت بسيطة تقتصر على النخل والحنطة وبعض الخضار ولم نكن نعرف الطماطم ولا
زراعتها”.
ويقول راشد عبيد راشد: “كانت الحياة الماضية أكثر بساطة، وكانت
البيوت تُبنى من الدعون. وفي الشتاء كانت تُقام خيمة من سعف النخيل أو العسبج،
وكانت أول البيوت التي بُنيت من الطابوق هي عشرة بيوت بناها المغفور له الشيخ راشد
بن سعيد آل مكتوم. وبعدها بنينا بيوتنا بأيدينا على أراضينا. ولم تكن لدينا مساكن
شعبية هنا”.
الزواج
وعن الحياة الاجتماعية والزواج، يقول
راشد عبيد: “كانت الحياة الاجتماعية أكثر ترابطاً، والناس يسألون عن بعضهم، والزواج
ميسوراً وسهلاً. ففي العرس نقدم التمر والعيش ونذبح الغنم. وكان مهر زوجتي 35
درهماً، فلم يعرف الناس غلاء المهور إلا في هذه الأيام”.
ويعقب سالم محمد
الشهياري بقوله: إن الزمان الماضي كان أحسن من اليوم، ففي الماضي إذا كنت أمشي في
الطريق وشاهدت اثنين يسيرون معاً رافقتهم وسرت معهما. ولكن اليوم تغيّرت الحال
والجميع مشغولون عن بعضهم بعضاً. وفي الماضي كنا نحرص على الإنجاب وكثرة الأبناء،
فقد كان لديّ خمسة عشر ولداً وبنتاً، منهم من تزوّج ومنهم من يعيش معي في البيت
و”العيال” مال الله يعطيه ويأخذه.
ويتحدث محمد عبيد خميس عن الرحلات نحو دبي
والشارقة، فيقول: “كنّا نسير إلى أسواق دبي والشارقة حيث تستغرق الرحلة سبعة أيام
ذهاباً وإياباً، بينما تستغرق الرحلة إلى أسواق رأس الخيمة أربعة أيام، فنبيع
الهمبة واللومي والرطب ونشتري العيش والطحين والقهوة والكنادير. وكان لا بد للرجل
من أن يحمل سلاحاً أثناء رحلته، مثل الصمعة والميزر، التي تطلق طلقة واحدة، أو
الفلسي التي تطلق خمس طلقات. وكان الرجل يحمل لزوجته من دبي الثياب والهدايا التي
تفرح بها”.
جني العسل
عن جمع العسل يقول محمد عبيد: “في
البداية كان العسل كثيراً، لكن شحّ الأمطار قلل من إنتاجه، كذلك نحن كبرنا ولم نعد
نستطيع صعود الجبال للبحث عنه. وقليل من شباب اليوم من يبحثون عن العسل، وغالباً ما
يتعلّمون المهنة من أهاليهم”.
ويسعى سكان “إعسمة” إلى تربية أبنائهم وفق
الأسس السليمة، فعمار راشد عبدالله يبلغ من العمر ثماني سنوات ونصف السنة، وهو في
الصف الرابع الابتدائي يتعلم الحاسوب في الصباح ويذهب في المساء إلى المسجد ليتعلم
حفظ القرآن. ويحذو حذوه معظم أطفال المنطقة حيث يقضون وقت فراغهم بتعلم القرآن أو
بممارسة الألعاب الشعبية المعروفة.
وقرية “إعسمة” لديها حضارة ضاربة في
القدم، فقد ذكر الدكتور عبدالله الطابور في كتابه “جلفار عبر التاريخ” ان تاريخ
“إعسمة” الأثري يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. و”إعسمة” من القرى الجبلية التي
عرفها علماء الآثار عن طريق المسح الأثري الذي نشرته بياتريس دي كاردي عام ،1985
وأصدر بعد ذلك خبير الآثار الألماني د. بركهارد فوجت كتاباً اشتمل على جميع
التقارير التي توصلت إليها بعثات الآثار، إضافة إلى استنتاجاته التي أجراها على
منطقة “إعسمة”. ويقسم د. بركهارد “إعسمة” القديمة إلى عدد من المواقع للسكن وأخرى
للدفن، ترجع إلى عصور مختلفة في فترة ما قبل الإسلام، وبالتحديد خلال القرنين
الثالث والثاني الميلاديين وحتى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد كشفت التنقيبات
أساسات عن مبنى حجري مستطيل عُثر في داخله على عظام حيوانات، وأدوات حجرية للمجارش
وكسر فخارية متعددة، وكانت الأواني الفخارية من النوع الذي يُطلق عليه “أواني
النار” المنزلية، ويعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.
ويرى الدكتور
الطابور أن “سكان “إعسمة” كانوا على علاقة تجارية مع وادي السند ومناطق أخرى، على
الرغم من وقوعها في الداخل وصغر مجتمعها. وتلك الآثار تدل على حضارة قامت في ذلك
المكان وارتبطت بروابط ثقافية واقتصادية بعد دفن الحضارات المجاورة، وقد تكون
مركزاً من مراكز النشاط التجاري لإحدى الحضارات القديمة”.
ومع تلك الآثار
وحكايات الحضارة القديمة نجد أن “إعسمة” شكلت قرية جبلية صغيرة لها خصوصيتها
المرتبطة بالأرض وزراعتها ومراعيها، وهي قرية خصبة تمنح سكانها الخير
والبركة.
ارتفعت الشمس في السماء ومعها ارتفعت درجة الحرارة ونحن نقطع طريق
العودة باتجاه الذيد، حيث شاهدت للمرة الأولى في حياتي إعصاراً دائرياً صغيراً يمر
أمامنا بين الكثبان الرملية. وقد كنت أفتح عيني على اتساعهما لأدرك أني لا أشاهد
فيلماً سينمائياً. وأعرف أن ذلك الثراء الجغرافي للمنطقة يعرفنا إلى أشياء كثيرة
مدهشة.
» الأقصى في قلوبنا فهو مسرى حبيبنا
» صور مسافي
» ليش العقال لونه أسود ؟؟!!
» كاريكاتيرات
» المخلوق الغريب سي واي (صورة)
» برنامج ( فنون التعامل )
» زوآج بعد النظــرهـ الشرعيـﮧ بـ " المـآسنجر " .!!
» مسلسل سنوات الضياع